الأحد، 22 يناير 2012

رجل .. حليق الذهن ! - منتديات الساخر

رجل .. حليق الذهن ! - منتديات الساخر



.
نحتاج أن نتمرّن على الحزن والمواساة منه ، بفعل أشياء أخرى لا تمتّ له بصلة -كالبكاء مثلاً-.
الرجال حليقو الذهن ، يحتاجون للكتابة أكثر من أولئك الذين يشترون أذهانهم حليقة بالبداهة.




يجب أن لا نكرّر كلمة يجب. يجب أن ندمن قطع الأشجار. لأن الفؤوس أوفى بالصداقة. وحقيقة: هي أقوى.
يجب أن نصادق الغمام ، لأنّه في هذه الصحراء إن يكن عطشاً فظّلًا تحتاج. يجب أن نكتب ونكتب ونكتب.
لأن الكتابة مرة واحدة تشبه الحصول على اللياقة بعد ركض هرب من فاجعة الخوف من طريق مظلم آن الطفولة.




نحن اللاأحد.
نحن الذين لا أسماءَ لنا. ولا وجوه.
نحن أرقام يا "غاليانو".
لا أماكن ولا أزمان ..
–السجين رقم 34 زنزانة رقم 7 بانتظار عفو ملكي-







****

ننقص ، ولا ندرك كل يوم "ازدياد" نقصنا. تتكاثر الأشياء التي تخيفنا ، وبقدر خوفنا يكون أمنها/أمنهم. صغاراً ليس سوى الجنّ والظلام وبعض حكايا الجدّة الهلِعة بالفطرة ـ عن السحر والشياطينِ والعجائز الشمط. الآن من ذا الذي لم يعد يخيفنا أو يهزأ بنا. لتسوية عقولنا المخبولة ، مباركةً قامت الدولة بإنشاء "مركز محمد بن نايف" لتأهيلنا لحياة صالحة وطموحة. يجب أن تمرّ على هذا المركز لتتأكد من عقيدتك وقلبك وعقلك. وإلا قد تكون مخبولاً بالحقيقة والسجن ، لا بالزعم والحكيِ كما عند مواطني القذافي مثلاً.


أحلامنا. هذه الأشياء الكبيرة والجميلة والبعيدة والحالمة. برنامج دعائيّ رخيص ، في قناة منحطة بإمكانه أن يحققها عن طريق رسالة هابطة تشبهك. هكذا يتم الهزء بنا في الحقيقة والواقع. في الأحلام والخيالات. ماذا يا رجل. ديونك تسدد على الهواء. وتنكح الزوجة التي تريد. ويسكن أطفالك تحت سقف. ويكرر "الآغا" الكريه –بالنسبة لي- بالفطرة أنّك حصّلت كلّ شيء. اذهب الآن ومت. ها أنت بفرحك المترهّل تشكر: الحكومة. الام بي سي. البراهيم. الآغا. المذيعة اللبنانية ، أن منّوا عليك بعلاج أمّك المزمنة على حساب برنامجهم. لقد غدوت قزماً يا صديقي ، وكلّ أحلامك وآمالك وآلامك تغدو إعلاناً إزاء عبوّات التنظيف وقنينات الترويج. أقلّ ما يطمح إليه أي حمار وحشي من محميّة غابات أفريقيّة ، يصبح بالنسبة لك كمواطن ، أحلاماً تذاع حين تحصّلها على رؤوس المشاهدين وأقدام العابرين. ماذا يا صديقي. زواج. علاج. سكن .. هذا منتهى "أحلامك" !


كلّ شيء يفقد هيبته. جهاز التكييف الذي اشتريناه مؤخراً يهزؤ بنا. أين شركته. من أين جاء. الضمان الذي معه اكتب فيه بصقة كبيرة وأعدها إليك. لم يعد من شيء يقبل احترامنا. إنه من البائس أن نتحدث أيضاً عن أخوتنا الشهداء الجدد في كلّ من أقطار مصر وسوريا واليمن وليبيا وتونس بالتوازي طبعاً مع إخوتنا الشهداء المتقاعدين من فلسطين والعراق وإفغانستان وكشمير والصومال والشيشان. لماذا كلّ أخوتنا شهداء. ألا يحقّ لنا الحصول على إخوة لهم حقّ الحياة. إن هذا كلّه بالتوزاي مع نكبة جهاز التكييف الأرعن هذا ، والذي قرّر التوقف عن العمل صيفاً. هل يريد اللعين أن يعمل دفاية في الشتاء. من يدري.


تقول جدتي أن أخبار النشرة أقلّ كذبا من جهاز الراديو. الشاشة تكذب أكثر. والمذيعة تبتسم وهي تذيع قتلنا. والألوان تشوّش على ذهن العجوز غير الحليق. ولذلك ليلاً تقرّب جهازها من أذنها ، وتنصت لرحيل الجنازات المتعاقبة. وإثر كلّ قتلى دولة جديدة تتنهّد العجوز التي لم تؤمن بتحرير فلسطين وحدها آن حياتها ، فجاءها خبر الاحتلال للعراق وباقي دول جامعة الدول العربيّة بالموت من كلّ مكان. ليلاً حين تضجر من صوت المذيع الرتيب والبارد. تذهب إلى الشاشة. وقد تحاكي المذيعة هذه المرّة: هل من أخبار جيّدة في الطقس. هل من زيادة في مرتبات الأبناء. هل على الأقلّ من موت أقلّ. ثم تنام الجدّة التي لا تعلم أن السودان التي كانت بخرطوم مقطوعٍ ، أضحت بذيل مبتور أيضاً.


نحن طالبو الهجرة في الدول الغنية. وطالبو الخبز في الدول الفقيرة.
نحن لا نضرب عن الطعام. لأنه لا طعام لدينا أصلاً ..
ولا نمشي في مظاهرات جماعية ، لأن أغلبنا في السجون !







****



لا أفلام جيّدة هذا الموسم. لا روايات مؤثّرة. لا كتب حقيقيّة. كلّ الجودة كلاسيكيّة. الصحافة تكذب دائماً. واليوم تكذب حتى وهي تكذب. لم يعد من شيء صالح هنا. في اللحظة التي يسقط فيها بلدنا الذي كنا نصطاف فيه ، نبدّل الصيف لبلد آخر ، وتكفينا الشاشة آخر المساء عناء المتابعة. والقتلى ، إن لم يموتوا اليوم. ماتوا غداً. وفي بلداننا فقط ما يتأخر عن القتلى هو إعلان وفيّاتهم رسميّاً. وكل شيء لدينا يصغر ويضيق. يمّحي وينعدم. عدا السجون. وحدها تكبر يا "منيف". تتكاثر. تتسع وفي نفس الآن تكتظّ بنا.


سأذهب الآن لمركز مناصحة. لأعيد إيمان قلبي واتزّان عقلي على ما تريد الحكومة والشيخ. وسيضحك من كلّ قلبه رفات العجوز "أورويل" وهو يخطّنا قبل خمسين عام في رائعته "1984". هيا لنذهب. كلنا مرضى. والحكومة منحتنا كلّ هذا: مركز أحمد بن سلمان لعلاج الكلى. مركز محمد بن نايف لعلاج العقول. مركز متعب بن سعود لعلاج الركب. مركز مشعل بن عبدالعزيز للتسمين. مركز فيصل بن عبدالله لعلاج الدرن. مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني. مركز فيصل بن تركي لشؤون التشجيع. هذا ليس وطناً عاماً. هذه زريبة خاصّة. هذا ليس شعباً. هذا قطيع مرضى. هذا محفل مزايين كبير وصالح لكّلّ شيء وأي شيء ، من التنافس بين شركات الألبان والأبقار والاتصالات والكهرباء والصحّة والأجبان والأرزّ والشعير. إلى التحليل النفسي على أيدي أمهر المرضى النفسيين. وطن صالح لأيّ شيء سوى للكرامة. بعد أن أصبحت لهم المطارات والجامعات والشوارع والمستشفيات. بعد أن أصبحت أسماؤهم في كلّ مكان. من أول شارع في المدينة وإلى "طبع هذا المصحف الشريف على نفقة جلالته". ليتركوا لنا أنواع الخبز على الأقل. غداً سنطلب من الخبّاز: لو سمحت بريالين عليهما صورة الملك اعطني خبزاً من فئة سعود بن نايف مستشار وزير الداخلية وبنصف ريال خبز متعب بن عبدالله حفظه الله.

ليست هناك تعليقات: