السبت، 23 فبراير 2013

النسوية السعودية وخصومها، والمعركة المقدسة!


النسوية السعودية وخصومها، والمعركة المقدسة!

الكاتب: 
10 فبراير, 2013


ليس السؤال ماذا ستنجز المرأة في مجلس الشورى، ولكن السؤال ماذا أنجز الرجل فيه من قبل؟! كثيرا ما يثير السؤال السابق حفيظة النسوية السعودية التي ما تزال تقرع طبول النصر ابتهاجا بدخول المرأة للمجلس، حتى أن سؤالا من هذه النوعية من الممكن أن يعكر عليها صفو فرحتها بالنصر المبين؛ لتضع مَنْ يثيره في خانة العداء للنسوية “المجيدة” والانتصار للذكورية “الغاشمة”. في حين أن سؤال الفعالية سيصب في مصلحة النسوية أولا، فإذا ما أعطي المجلس صلاحيات حقيقية سينعكس ذلك على أداء المرأة فيه. لا شك أن سؤال فعالية المجلس سؤال مشروع بل لزوم ما يلزم، في ظل فشل المجلس وتحنطه وجموده وبتر صلاحياته وعدم قدرته على الفعل الحقيقي، وفي ظل ما تمر به منطقتنا العربية من زوابع عاصفة، فضلا على ارتفاع النبرة الحقوقية عاليا وامتداد أثرها لشارعنا السعودي. بناءً عليه لا يشكل السؤال الآنف تشكيكا في المرأة أو تبخيسا وانتقاصا من نساء الشورى، ولكنه يسائل دور المجلس العقيم وفعاليته المبتورة ناهيك عن بعده عن التمثيل الشعبي  وانحصاره في أطر التعيين الحكومي .
من الممكن أن تستثمر النسوية السعودية سؤال فعالية المجلس، خاصة وبوادر عدم قدرة المرأة على تحقيق ما يذكر في المجلس تلوح في الأفق، فالحال ما يزال يراوح مكانه، ولا يبدو أن هناك أي تباشير توحي بأن هناك تغييرات نوعية تتعلق بصلاحيات المجلس في القريب العاجل. تستطيع النسوية السعودية أيضا الخروج من كهف فئويتها الضيق إلى رحاب خطاب وطني جامع يضع في اعتباره هموم الإنسان السعودي وشجونه بإثارة هذه النوعية من الأسئلة أولا، خاصة وخطاب النسوية في مجمله يبدو متراجعا ومتأخرا عن خطاب الشارع السعودي المتأجج على ” تويتر” وغيره من مواقع التواصل الاجتماعي، ولا أدل على ذلك من وسم #مجلس-شورى-منتخب. وفي حين يتحدث الشارع عن صلاحيات تشريعية ورقابية وانتخاب الأعضاء، تنتشي النسوية السعودية بنصرها وتكاد تنحصر مطالباتها باحتكار نصف المجلس للنساء، وهو الذي لم يتحقق للمرأة في برلمانات الدول الراسخة في الديموقراطية! وفي حين تشتعل النضالية وترتفع النبرة الحقوقية إذا ما تعلق الأمر بمنح نصف المقاعد للنساء، يتراجع الخطاب ويفقد صبغته المشاكسة وشراسته عند الحديث عن صلاحيات المجلس وعدم فعاليته والمطالب الوطنية بانتخاب أعضائه، بل قد يصل الأمر للتنكر لمبادئ الحرية والديموقراطية وقيمهما نفسها والدفاع عن آلية التعيين الحكومي ما دامت هي التي كفلت للمرأة حضورا في المجلس! مما يفقد النسوية السعودية مصداقيتها وتعاطف الشارع معها، حيث تطل من برجها العاجي غير قادرة على الاتساق والانسجام مع معطيات الواقع واستحقاقات المرحلة والمطالبات الشعبية المشروعة.
وهنا يبدو الخطاب النسوي أيضا خانعا ومستكينا للسياسي راضيا بعطاياه، ومتغافلا عن دوره الجوهري في تكريس أوضاع المرأة المتدنية، ومتعاميا ومنكرا لاستخدامه المرأة بصفتها ورقةً في اللعبة السياسية، بل متجاهلا أن القضية التي انشغل بها المشهد كثيرا ” قيادة المرأة للسيارة ” من الممكن حسمها بقرار سياسي على غرار قرار إشراك المرأة في الشورى، وسيُمتثَل للقرار والرضوخ له في نهاية الأمر.
من منطلق التحزب والاصطفاف أيضا يوضع حديث الحضور الديكوري لنساء الشورى واستخدامه صورةً للتصدير في خانة المحرمات، كيف لا وهو أحد المفردات التي يستخدمها التيار الديني في حربه الشعواء ضد أي تحديثات متعلقة بالمرأة! وهكذا تركل كرة القضايا المهمة بين أقدام التيارين، وتضيع في حمى أم المعارك المقدسة بينهما، فيكاد يختفي النقد الموضوعي للمجلس من خطاب النسوية السعودية- إلا قليلا- خوفا من تجييره لصالح وجهة نظر التيار المناوئ! وتُنقد فعالية المجلس وآداؤه على الفسطاط المقابل، في منهجية ذرائعية برجماتية تقدم النقد لتصل إلى هدفها الأول والأهم في المعركة المقدسة وهو قرار المرأة في بيتها وإزاحتها عن الفضاء العام. وكما تبدأ قضية الليبرالية (الشكلانية) بالمرأة وبعض الإصلاحات الاجتماعية دون مطالبات بإصلاحات سياسية حقيقة، يتساوق معها خطاب التيار الديني التقليدي فهو يبدأ بالمرأة ويتنهي بها مختزلا الفساد في جسدها وحضورها في الفضاء العام، متعاميا عن الفساد الأكبر ونهب مقدرات الوطن.
لا يمكن إصلاح أوضاع المرأة من الأعلى إلى الأسفل، فها هي نورة الفايز تحتل منصبا رفيعا في وزارة التريبة والتعليم، ولم يساعد تعيينها في حل مشاكل المرأة المزمنة والمتراكمة في الوزارة. وفي حين احتلت النساء 20% من المقاعد في قبة الشورى، يبدو المشهد ممعنا في الكوميديا السوداء عندما يقبض على امرأة قادت السيارة لإنقاذ زوجها المريض ويؤخذ عليها تعهدا بعدم الإقدام على فعلتها مرة أخرى!، وفي مزيد من التناقض العجائبي يُبلغ وليها بخروجها ومقدمها للبلاد برسالة جوال. كما أن تعيين المرأة في مجلس الشورى لن ينعكس على حياة المرأة المطحونة والمقهورة، التي تعاني الأمرين من واقع يتكالب عليها فيه الاجتماعي الثقافي مع الخطاب الوعظي، وتؤطر الصورة بأنظمة حكومية تغلق عليها المنافذ.
وقد سبق أن كتبت عبر هذا المنبر أن دخول المرأة للشورى معنوي فقط، وقد يساهم في محاولة تفكيك الصورة الدونية النمطية المترسخة في اللاوعي الجمعي، التي من الممكن رصد تجلياتها في عشرات النكات الساخرة عن نساء الشورى التي هطلت من مختلف أقنية التواصل الحديثة، التي شاركت بعض النساء أنفسهن من تبادلها وإطلاقها، بل وصل بعضها إلى الفبركة وتزييف الأخبار. مما يدلل على أن تفكيك الصورة الدونية يحتاج إلى جهد كبير، يمتد إلى البنى الفكرية والأنساق الثقافية ومما يستدعي عملا جادا ومنهجيا على الخطاب التعليمي والإعلامي والثقافي والوعظي، وذلك كله يحتاج لإرادة سياسية صارمة قبل كل شيء.
وعودة لخطاب النسوية السعودية، فإنصافا لابد من ذكر أن هناك ندرة من الأصوات الصادقة مع نفسها، أثارت أسئلة فعالية المجلس ودوره متطلعة إلى انتخاب أعضائه. فيما حاولت أخرى نقد معايير تعيين نساء الشورى والتساؤل على أي أسس اعتمدت، وطرحت أسئلة أخرى عن تجاهل وتجاوز بعض المناطق والجامعات في المملكة، وعن الحكمة من تعيين إحدى عشرة سيدة من تخصصات طبية أو علمية دقيقة. ولكن يبقى السؤال هل تستطيع أقدر السيدات والرجال وأكثرهم خبرة وتمرسا في الشان العام ونشاطا حقوقيا على الإنجاز في مجلس الشورى، في ظل بقاء حاله وصلاحياته على ما هي عليه ؟!
خاص بموقع “المقال”

لماذا اُعتقِل فريق “ملعوب علينا”؟


الكاتب: 

5 نوفمبر, 2011

بعد اعتقال أعضاء قناة “ملعوب علينا” اليوتيوبية بيومين كتبت هذه التغريدة بتويتر “سجن فراس / حسام / خالد ليس غريب، الغريب أن يظل أحد يعتقد – حتى بعد سجنهم – أن أسباب الفقر في السعودية اجتماعية / اقتصادية و ليست سياسية”، فسألتني مغردة: كيف أسباب سياسية؟ وقتها لم أجب على سؤالها لأن الجواب يحتاج لشرح مفصل تعجز عنه المائة و أربعون حرفا، لذلك قررت – بعد تفرغي – أن أكتب هذا المقال.
ما معنى أن تكون أسباب الفقر بالسعودية سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية؟
الأسباب السياسية: يعني أن السياسات الحكومية للبلد هي السبب المباشر أو غير المباشر في فقر المواطنين.
الأسباب الاقتصادية: يعني أن ضعف اقتصاد البلد أدى إلى ضعف دخل الفرد وعجزه عن الحصول على احتياجاته حتى لو بذل قصارى جهده.
الأسباب الاجتماعية: يعني أن اقتصاد البلد قوي وسياسة الدولة تتيح لأفراد المجتمع الفرص الوظيفية والتجارية والاستثمارية لكنهم يتعففون عنها.
لماذا أسباب الفقر بالسعودية سياسية و ليست اقتصادية أو اجتماعية؟
أولا: أبسط دليل على ذلك اعتقالهم، هل تذكرون ما حصل قبل عدة أشهر مع منال الشريف وقضية قيادة المرأة للسيارة؟
كانت الدولة تدّعي على مدى عقدين أن أسباب تعطيل قرار قيادة المرأة اجتماعية بحتة، فمتى ما تقبل المجتمع فكرة أن تقود المرأة السيارة فإن السلطة السياسية لن تعيق هذا الملف، لكن عندما قادت منال سيارتها وصورت نفسها ورفعت الفيديو على شبكة اليوتيوب ليراه مئات الآلاف، و أثبتت أن أهلها والكثير من شرائح المجتمع تقبلوا الأمر؛ تبيّن أن التعطيل ليس اجتماعيا بل سياسيا، عندها أحرجت السلطة فاعتقلت منال.
و هذا ما حصل تماما مع (حسام الدريويش، خالد الرشيد وفراس بقنه) أعضاء قناة “ملعوب علينا”، فعندما سلطوا الضوء على مشكلة (الفقر) أُحرجت السلطة – “داخليا” أمام شريحة كبيرة من المجتمع كانت تثق بها وبقراراتها خصوصا بعد مزاعم الإصلاح التي أطلقت خلال السنوات الماضية، و “خارجيا” أمام كل دول العالم – بسبب سياساتها؛ فاعتقلتهم، لو كانت أسباب الفقر اجتماعية أو اقتصادية – كما هو الحال مع الكثير من المشاكل والقضايا الشائكة –  أو لو أنهم تناولوا الموضوع بشكل تقليدي “لا يلفت نظراً و لا يحرك ساكناً” ككتابة مقال نقدي في إحدى الصحف – مثلما تعود كل كتّاب الرأي أن يفعلوا – لما اعتقلوا لأن السلطة السياسية لن تكون محرجة إلى هذا الحد فهي لا ترى نفسها مسؤولة عن المشكلة و حلها.
ثانيا: لنحلل كل ناحية على حدة لنعرف أيها السبب الرئيس للفقر في السعودية:
من الناحية الاقتصادية؛ لا يختلف اثنان على أن السعودية تتربع على عرش أقوى الاقتصاديات في العالم حيث بلغت إيراداتها لعام 2010 م سبعمائة وخمسة وثلاثين (735) مليار ريال وسجلت فائض في الميزانية يفوق مائة وثمانية (108) مليارات، وفي العام الحالي 2011 م وصلت عائداتها النفطية إلى ستمائة وسبعة وثمانين (687) مليار ريال في الثمانية أشهر الأولى فقط، لذلك فإننا نستنتج أن الفقر في السعودية لا يمكن أن تكون أسبابه الرئيسة اقتصادية.
من الناحية الاجتماعية؛ الكل يعلم أن أكثر من مليوني مواطن ومواطنة سجلوا في نظام “حافز” الذي أطلقته وزارة العمل لحصر العاطلين ودعمهم لتعزيز فرصهم في الحصول على وظائف، ولا يخفى على أحد أنه بمجرد الإعلان عن شواغر وظيفية في أي قطاع (حكومي / أهلي – مدني / عسكري) فإن الشباب – بكل مستوياتهم التعليمية – ينهالون عليها بالآلاف، كما أن هناك إقبال شبابي كبير على البرامج والصناديق الحكومية الأهلية المخصصة لدعم المشاريع التجارية والاستثمارية الصغيرة، لدرجة أنها لا تستوعب الكم الهائل من الطلبات خصوصا أن عددها لا يتجاوز عشر (10) صناديق على مستوى المملكة، كل هذا يعكس حرص المواطن السعودي على الحصول على مصدر دخل يوفر له و لعائلته حياة كريمة، وأما الإنفاق فالمواطن السعودي حريص أيضا على ألا يتجاوز عدد أفراد أسرته المعدل الطبيعي الذي لا يستطيع معه تلبية احتياجاتهم اليومية؛ فحسب التعداد السكاني لعام 2010م فإن متوسط عدد أفراد الأسرة السعودية لا يتجاوز الستة (6)  وهذا الرقم يعد طبيعيا ومنطقيا جدا في أغلب الدول والمجتمعات، بناء على ما ذكر يتبين لنا أن العوامل الاجتماعية ليست سببا رئيسا للفقر في السعودية.
من الناحية السياسية؛ أخطر العوامل المسببة للفقر هو غياب المشاركة السياسية الذي ينتج أرضا خصبة تزرع فيها كل عوامل الفقر الأخرى التي بدورها تؤثر سلبا على النواحي الاقتصادية والاجتماعية. تغييب المواطنين عن المشاركة السياسية يعني استفراد الحكومة باتخاذ القرارات التنموية التي غالبا ما تصب بشكل مباشر أو غير مباشر في مصلحة بعض الأشخاص النافذين في الدولة بغض النظر عما تفرزه من تأثيرات قد تضر بمصلحة المواطن، فعلا سبيل المثال؛ لا يملك أي مواطن عادي من سكان مدينة جدة أن يشارك في أية قرارات تختص بالإيرادات التي تدخل خزينة الدولة من مواسم الحج بحيث تكون لها انعكاسات تنموية حقيقية على عروسته التي اغتالتها أيدي اللصوص قبل السيول، مع أنه ساهم – بشكل أو بآخر – في تدفق تلك الإيرادات و تحطيمها أرقاما قياسية تصل لأكثر من ثلاثين (30) مليار ريال سنويا.
العدالة في توزيع الثروة جعلت الدول الاسكندينافية بشكل عام والنرويج على وجه الخصوص من أكثر دول العالم تقدما في التنمية البشرية (مقياس التعليم و مستوى المعيشة والرعاية الاجتماعية) و في المقابل فإن سوء توزيع الثروات جعل دول الخليج وخاصة السعودية متخلفة نسبيًا في التنمية البشرية وهو ما يؤدي إلى اتساع رقعة الفقر لأنه – مع الوقت – يقضي على الطبقات المتوسطة في المجتمع ليقسمه إلى طبقتين؛ أقلية تترف في نعيم الثراء والرفاهية وأكثرية تقبع في جحيم البؤس والفقر.
الفساد هو الأخطبوط الذي طالت أطرافه كل الوزارات و الإدارات و المؤسسات الحكومية بعد أن غابت الشفافية (وهي مسؤولية السلطة السياسية)، ففي القضاء فساد وتبعية وصلت مرحلة جعلت المواطن يتيقن أن المحاكم في السعودية ما هي إلا مهازل، وإلا ما التفسير المنطقي لمحاكمة بعض خيرة أبناء هذا الوطن بعد سجن دام لسنوات طويلة محاكمات سرية توجه لهم فيها اتهامات لا تستند إلى أدلة ويمنع محاميهم من الدفاع عنهم؟
أما قطاع الصحة فنرى فيه من الفساد ما يندى له الجبين، ومن أشهر مظاهره الأخطاء الطبية والتأخر في توظيف الكوادر الوطنية الشابة وهذه المشكلة ذات أضرار مزدوجة؛ زيادة نسبة البطالة وتأخير علاج المرضى، هذا غير استنزاف المستشفيات الأهلية جيب المريض بلا حسيب أو رقيب. وفي قطاع التعليم فساد مستشرٍ يتجلى في المدارس المستأجرة والمناهج المقررة فلا المدارس تغيرت لنموذجية ولا المناهج تبدلت برقمية. والحديث عن الفساد يطول لكننا نكتفي بما ذكرنا عن القضاء والصحة والتعليم لأنها من أكثر القطاعات التي تمس حياة المواطن يوميا وتتسبب في فقره على المدى القريب والبعيد.
ارتفاع أسعار العقار بات “من الواضح” أنه يؤثر بشكل مباشر وكبير على دخل المواطن، و “من الأوضح” أن حل هذه المعضلة (المتمثل بفرض رسوم على الأراضي البيضاء) بيد السلطة السياسية وهذا لا يحتاج إلى نقاش خصوصا بعد حملة الوعي المكثفة التي انتشرت مؤخرا.
أما حريات المواطنين فهي إحدى السبل لحماية أنفسهم من الفقر، وأرى أنها ذات علاقة عكسية مع حرية الحكومة؛ متى ما زادت هذه نقصت تلك و العكس صحيح، و السلطة تدرك هذا المعنى لذلك فهي تحاول السيطرة على أكبر مساحة من الحرية – ليمارس النافذون فيها ما يحلو لهم – عن طريق التضييق على حريات المواطنين؛ و هذا ما حصل مع أعضاء قناة “ملعوب علينا”.
خاص بموقع “المقال”